صلاة الغفلة تعريفها فضلها وقتها وكيفية أدائها ,في زحمة الحياة وانهماكاتها، تغفل القلوب أحياناً عن الذكر، وتنشغل الأبصار عن العبادة. ولكن شريعتنا الإسلامية السمحة، والتي جاءت لتخرج الناس من ظلمات الغفلة إلى نور الطاعة، قد شرعت نوافل وعبادات ترد القلب إلى حظيرته، وتعيد الروح إلى صاحبها. ومن بين هذه العبادات المستحبة التي غفل عنها الكثيرون “صلاة الغفلة”، وهي صلاة تحمل في اسمها تنبيهاً لنا وفي فضلها عظةً لقلوبنا.
في هذا المقال الشامل، سنغوص معاً في بحر هذه الصلاة النافلة، نتعرف على مفهومها، وقتها المحدد، فضائلها العظيمة الواردة في السنة النبوية، وكيف نؤديها بشكل صحيح، لعلنا نكون ممن أدرك فضلها وأخذ بأسباب نيل أجرها.
ما هي صلاة الغفلة؟ التعريف والمفهوم
صلاة الغفلة هي صلاة نافلة مستحبة، من الصلوات المسنونة التي وردت في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وسُميت بهذا الاسم لأن وقتها يكون في فترة “الغفلة”، أي حينما ينشغل绝大多数 الناس بأمور الدنيا ويغفلون عن ذكر الله والعبادة.
وهذا الوقت بالتحديد هو ما بين صلاتي المغرب والعشاء. فبعد أداء فريضة المغرب، ينصرف الناس عادةً إلى أمور معاشهم، وطعامهم، وراحتهم، ومشاهدة التلفاز، متغافلين عن هذا الوقت الذي يمكن أن يملأوه طاعةً وعبادة. فجاءت هذه الصلاة لتكون مشروعاً للمؤمن ينتفع بهذا الوقت الذهبي، ويغتنم هذه الدقائق التي تمر سريعاً قبل أن يأتي وقت فريضة العشاء.
فضائل صلاة الغفلة وأهميتها (لماذا يجب أن نحرص عليها؟)
لا يُشرع شيء في ديننا إلا وله حكمة عظيمة وفضل كبير. وقد ورد في فضل صلاة الغفلة وعظيم أجرها عدة أحاديث وآثار، منها:
- رفع الدرجات ومحو السيئات: ككل النوافل، فإن صلاة الغفلة تكمل الفرائض وتسد نقصها، وهي سبب في رفع الدرجات في الجنة ومحو الخطايا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم» (رواه مسلم). وصلاة الغفلة من جملة هذه النوافل التي يتقرب بها العبد إلى ربه.
- العبادة في وقت الغفلة: أجر العمل في وقت ندرة القائمين به أعظم. وقد ورد في الأثر أن العمل الصالح في الخفاء وأثناء غفلة الناس له منزلة خاصة عند الله تعالى. فأن تقوم أنت وحدك أو مع قلة من الناس لتصلي هذه الصلاة، بينما الجميع في شغل، لهو دليل على إخلاصك وقوة اتصالك بربك.
- استغلال الوقت: الإسلام يحثنا على استغلال الوقت واستثماره في الطاعات. وصلاة الغفلة هي تطبيق عملي لاستثمار تلك الفترة الوجيزة بين المغرب والعشاء بأفضل ما يمكن.
- الاستعداد لصلاة العشاء: تؤدي هذه الصلاة إلى تهيئة القلب والجسد لاستقبال فريضة العشاء بخشوع أكبر وتركيز أتم، حيث يكون المؤمن قد أنجز جزءاً من الليل في الصلاة والمناجاة.
وقت صلاة الغفلة بالضبط
يبدأ وقت صلاة الغفلة من بعد الانتهاء من أداء صلاة المغرب مباشرةً، ويمتد حتى بداية وقت صلاة العشاء. أي طوال المدة الفاصلة بين الصلاتين.
ومع ذلك، فإن أفضل وقت لأدائها هو في النصف الأول من هذه المدة، أي بعد المغرب مباشرة أو بعد أداء Sunnah المغرب الرواتب. ويُستحب ألا تؤخر حتى قرب وقت العشاء، حتى لا ينشغل الإنسان بتحية الناس والدخول في صلاة العشاء وهي لا تزال في ذمته.
كيفية أداء صلاة الغفلة (الطريقة الصحيحة)
صلاة الغفلة هي ركعتان، وطريقة أدائها بسيطة وغير معقدة:
- النية: تنوي في قلبك أداء صلاة الغفلة (نافلة الغفلة) قربة إلى الله تعالى. والنية محلها القلب ولا يُشرع التلفظ بها.
- تكبيرة الإحرام: تكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: “الله أكبر”.
- قراءة سورة الفاتحة: تقرأ سورة الفاتحة كاملة.
- قراءة السورة بعد الفاتحة: بعد الانتهاء من الفاتحة، تقرأ سورة قصيرة أو ما تيسر من القرآن. والسنة أن تقرأ في هذه الصلاة سورتيـن مخصوصتيـن:
- في الركعة الأولى: بعد الفاتحة، تقرأ سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (سورة الكافرون).
- في الركعة الثانية: بعد الفاتحة، تقرأ سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (سورة الإخلاص).
- إتمام الركعتين: تكمل الصلاة كأي صلاة عادية (الركوع، السجود، الجلوس، ثم التسليم).
وبهاتين الركعتين، تكون قد أتممت صلاة الغفلة وحصلت –بإذن الله– على أجرها وفضلها.
هل هناك دعاء مخصوص بعد صلاة الغفلة؟
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص يُقال بعد الانتهاء من صلاة الغفلة. فيمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله، ويستغفره. فذلك الوقت وقت إجابة وقبول إن شاء الله.
لا تُغفل عن صلاة الغفلة
أخي المسلم، أختي المسلمة، ها هو فرصة ثمينة بين يديك كل يوم. بضع دقائق تفصل بين مغربك وعشائك، يمكن أن تتحول من وقت فراغ أو غفلة إلى كنز من الحسنات وسبب في رضا الرحمن. لا تدع الشيطان يثبطك أو يوسوس لك بأنها “مجرد نافلة”، فرب نافلة كانت سبباً في دخول الجنة.
اجعل هذه الصلاة برنامجاً يومياً ثابتاً في جدولك، بعد صلاة المغرب مباشرة. علمها أبناءك، وذكر بها أهلك، وكن ممن يحيي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وينال أجر العبادة في وقت الغفلة.
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 148).